لِمَ الحـيرةُ أيُّها الغريبُ
تمهَّل قليلاً
في ملامحِكَ جِراحُ أسفارٍ... سُهدُ ليالٍ،
في جوارحِكَ تعبُ أزمنةٍ...
عيناكَ
أحزانُ ظبيةٍ قتلَ الصيَّادُ حبيبَها
عيناكَ
نقيَّتانِ كالنرجِس
تمهَّـلْ قليلاً...
فالعطشُ نغمُ أسفارِكَ، النايُ همسُكَ...
لأنَّكَ الأطرى، تُرديكَ النسمةُ المذعورةُ
ولأنكَ الأشفُّ ظلاًّ
يخطفُكَ من الوَلعِ الغياب
في أنفاسِكَ مواعيدُ غدٍ مشمسٍ
لا تكبِّل خطوَكَ بالقلق
على جَفنيكَ مواعيدُ عشقٍ
أُرجوحةٌ لقامةِ الحبيبة...
تمهَّلْ قليلاً
إنَّ دِثارَكَ رمادُ صَرختِها...
لوعةٌ ثناها الغَسَق
جفناكَ مَرعى أنوثتِها...
أنفاسُكَ اشتعالُ الآهةِ... بُزوغُ الألق
تعرَّى من وقتٍ... ثوانيهِ ضجيجٌ
من إثمٍ شقيٍّ...
ما بكَ خائفٌ... من سَحابٍ ماطِرٍ...
من شقاوةِ الفرَسِ الأصيلة...
ما بكَ خائِفٌ... أمِنْ خفقانِ روحِكَ لحوريَّةٍ ...
أمِنْ قلبٍ بالهوى نطق؟
تحرَّرْ من أمسِكَ الباغي...
تحرَّرْ من شقاءٍ سبَق
أيُّها الغريبُ:
تمهَّلْ قليلاً
لأيِّ المنافي نَذرتَ قامتَكَ...
لأيِّ الأقاصي تدندنُ هِمَّتُكَ؟
ها هي غجريَّةُ الترحالِ،
مُدَّ كفيكَ... اقطفْ لها من الغيمِ المطر
مدَّها للأعالي،
صوبَ رابيةٍ
وإن شئتَ الحقْ بها
إنها والطريقُ لكَ
وزهورُ المسافةِ
وكلُّ أغنياتِ الغَجر
إذهبْ،
ما ألذَّ أن تنادمَ درباً غريباً
أن تحاكي طيوفَ القَدَر
ما أنبَلَ جرحاً لا يرومُ شفاءً
ما أُحيلى السُّكرَ في كؤوسِ الخطر
ولئن ضاقَ المكانُ
تعلَّمْ كيف تحسَبُ التنهيدةَ نخلةً
كيف تُورقُ الصَّفنةُ موّالاً...
تعلَّم أن تنصُبَ كفَّكَ عِرزالاً
كيف يصيرُ شدوُكَ داراً...
مع أناملِكَ السَّمراء... مع أنفاسِكَ الضئيلةِ
مع شفتيكَ، معَ بَرْدِ الغربةِ، تعلَّمْ فنونَ السَّمر
يا الغريبُ في غَبَشِ الأماكن،
ألا يكفيكَ
الليلُ والأسئلةُ العذراءُ...
لكَ المدى المُغمَّسِ بالندى؟
ألا تكفيكَ
الزُرقةُ البعيدةُ
لكَ ألوانُ الصباحِ البهيَّةُ؟
تمهَّلْ قليلاً...
رقصةُ النعاسِ على زنودِ المساءِ لك
حبيبةٌ من ثمارِ العشقِ لك
وتنهيدةُ نارِها المجنونةُ لك
زادُكَ الأُوارُ المُعتَّق...
عطشُ الخلاّنِ للقمـر
أيُّها الغريب، تمهَّلْ قليلاً
ما أُحيلى الحُبَّ على دروبِ الخطر.