إرادة العمى

وغاب كثيفٍ جـفاهُ المـطَرْ ... غزَتـْهُ رِمالٌ فجَـفَّ الشـَّجرْ
توالت عليه ليالي الزمــان ... فكانَ الذبول وكان الخطــرْ
ففي صوْلةٍ للظّـلامِ الثـٌّـقيل ... تنشّـقَ نبْـتٌ هواءً قــذِرْ
وفي نزْوةٍ لِلضَبابٍ الكثيـفٍ ... تنكَّـرَ فـرْعٌ لِأصـل طهَـرْ
وفي ثـَوْرَةٍ للضِّياء الخجُولٍ ... تنمّـرَ نبْـتٌ لجنْيٍّ خضــرْ
وكمْ مِنْ رؤوس طواهُمْ سُبات ... فلمْ يدرِكوا بُؤْس هـذا الضّررْ
ويسْألُ واعٍ بعمْـق الجـراح ... أما آنَ لِلـْبُؤْس أنْ ينـْدَحِرْ؟
أمـا آن لِلْجمْع أنْ ينْـتشِي ... بِصحْوٍ نقِـيٍّ وروْضٍ نَضِرْ؟
أما حُقّ للنّفـسِ أنْ تشْـتهي ... هديل الحمام وزهْرٍعطــرْ؟
سنـاءُ الحقيقـة مـوْرُوثنـا ... ونمْشـي بخَطْوٍٍ كأعْمى البصَرْ
ونغـْرَمُ بالـوهْـم نتبَـعُـه ... فراشٌ شها النارَ هلْ يسْـتمِرْ؟
وفي الدّرْب نحْنُ رضِيعٌ لهـَا ... أيُدْرِكُ لاهٍ ذرَى مَـنْ عَبَـرْ؟
أيُكْسَـبُ رهْنَُ السِّبـاقِ غـدا ... وفي النّعْـل وحْلٌ لمَا يَنـْتثِرْ؟
تلـُفُّ الـرّداءةُ أحْـوالنـا ... إلامَ نظـلُّ لهـا نحْـتكِرْ؟
نُبـاهي بمـاضٍ بلا حاضِـرٍ ... متى نسْـتفيقُ؟ متى نعْـتَبِرْ؟
ويمضي السؤالُ يحُزّ الصّدورَ ... ويأتي الجوابُ لظىً يسْتعــرْ
أَيُعْـطى الجَمـالُ وأسْـرَارُهُ ... لِمنْ لَفـَّهُ القبْحُ طُول العُمُرْ؟
إذا الجمْعُ حـقّا أرادَ العَمَـى ... فلا بُدّ أنْ يتلـظّى سَــقرْ
ولا بُدّ لِلـدّاء أنْ يعْتـــري ... فـُلولَ الحيـاةِ وما مِنْ مفَرْ
فيفـْنى الجمالُ بلا أســـفٍ ... وتبْقـى الدّمامَـةُ لا تسْـتَتِرْ
ويرْكُدُ ليـْلٌ بلا أنْجُــــمٍِ ... ويمْـرُقُ صبْحٌ فـلا يسْـتقِر
ويُخذلُ رغْم المزايا علـــيٌّ ... وهلْ في القبور تروجُ الدّرَرْ؟
ويهْفو الحسيْـنُ لقطْـرةِ مـاءٍ ... ومـاءُ الفـُرات يضيـعُ هدرْ
وقارون يحْسدُ بين الجُمــوعٍ ... فرَادَى الجِياع وليْسوا زُمــرْ
وفِرْعوْنُ يَشْحَذ أنْيابــــه ... ليقضِمَ صرْعى طواهُمْ خـوَرْ
ويُسْلك درْبٌ بِلا حَــــذرٍ ... جمالُ المناظِر يُوهِي الحـذرْ
تُجزّ النفوس بسيفِ الزمــــنْ ... أوان السّهاد زهى واعْتكــرْ
أليسَ غريبًا سُباتُ الطُّيــور ... وفي الوكْرِ نارٌ لظَاها اسْتَعَرْ؟
يشلُّ التّهاونُ عزْمَ النّفــوس ... عليـل التّهـاونِ ما ينـْتظرْ؟
وتعْلو الجوارِحُ متـْنَََ السّحابِ ... طموحُ الجوارحِ لا ينـْكسِـرْ
ويرصُد نِسْرٌ غُيـومَ السّـماءِ ... وموْجَ البِحار وظِلّ الشّجــرْ
ويعْضُدُه البومُ بعْـدَ الغُروب ... ويبْسُـطُ ريشًا لحَجْبِ القمَـرْ
ويُنْشَرُ رُعْـبٌ ويُكْتـم نَبْضٌ ... ويخْفُـت نُورٌ ويذوي الزّهـرْ
وتهْجُرُ نخْلٌ منابِتَهـــــا ... فيهْربُ منْها شهِيّ الثّمَـــرْ
ويسْطو الغريبُ على ظِلِّهــا ... ويبْقى القريبُ سليب المقــرْ
ويُحْفرُ جِذعٌ ويُنْهبُ لـُــبٌّ ... فيَغْشى ذراها جفافٌ وحَــرْ
فتغْلي الرِّمالُ ويُرْغي الحصى ... فلا يسْتكِين لِوَقـْع المَطَــرْ
وظِلُّ الشِّقـاقِ يُزيـلُ صفْـاءً ... ونبْعُ الشِّقـاق هـوىً مُسْـتقِرْ
يكرِّر قابِيلُ فِعْلتَــــــه ... فيَفْتَحُ نحْوَ العناءِ مَمَــــرْ
ويُحْزِن قدْسا عرينُ الرشيـد ... جِراحٌ تُثيرُ جراحًا كُثـُـــرْ
ويسْعَى الجَميعُ لنابِ الــرّدى ... وكمْ مِنْ جهُولٍ بيُسْرٍ نُحِــرْ
وهلْ كان للصُمٍّ أنِ يسْمعُــوا ... فحيحَ الأفاعي وليْثـــا زأرْ؟
وهلْ كان للبُكْم أنْ يصْرُخـوا ... بوجْهِ السِّياط ووهْمٍ كَبُـــرْ؟
وهلْ كان للعُمْيِّ أنْ يُبْصِـرُوا ... مواقِع فخٍ بدربٍ وعِــــرْ؟
يُجَدِّدُ جسّاسُ قتلَ كُليْــــبٍ ... وتبقى الجليلـة نهْـب الكَـدَرْ
تُعقّ الأمُومََة مِنْ ذاتِهــــا ... فتحْصُدََ نبْتا هجينًا نكِــــرْ
فذا ذابلٌ جفَّ عنْهُ الثـَّــرَى ... وذاك ثوى فوْقَ غُصْنٍ كُسِـرْ
وذا بارِزٌ للرِّياح وَهَــــى ... وذاك هوى في الرّمالِ طُمِـرْ
وذا شائِكٌ طالَ مِنْــه الأذى ... وذا ناهلٌ منْ شرابٍ عكِــرْ
بِحارُ همُومٍ بلا شاطِــــئ ... تشدّ النّفوسَ إلى المُنْحـــدرْ
فكيْف السّبيلُ بُلوغ المُنـــى ... وشطْرٌ أسيرٌ وشطْـرٌ خـدِرْ؟
وسيْل الحِجَارةِ مِنْ شاهِــقٍ ... يدُّك الجسور ويُعْفِي الأثـَـرْ
ومَنْ لمْ يُلبِّ نِداءَ الحيـــاة ... تعثـَّرَ في قاعِـها وانْحــدرْ